كيف استفيد من المشاكل في تطوير ذاتي

 



المشاكل هي جزء من الحياة، ولا يوجد انسان في العالم لا يواجه مشاكل. قد تكون هذه المشاكل صغيرة أو كبيرة، قد تكون مؤقتة أو دائمة، قد تكون خارجية أو داخلية. ولكن مهما كانت طبيعة المشكلة، فإنها يمكن أن تكون فرصة للتعلم والنمو والتطور واكتشاف الذات.

وليس كما يعتقد الكثير من الناس أن المشاكل هي أكبر جالب للأضرار والهموم وليس فيها أي فائدة، وكمقدمة لهذا الموضوع يُمكن تعريف المشكلة بأنها عائق يمنع الإنسان من تحقيق هدف منشود ويشعر بسبب هذه المشكلة بالضيق مما يدفعه للبحث عن حل، والمشكلة أصلا هي شيء نسبي يختلف من شخص واخر فما يعتبره الطفل الصغير مشكلة كبيرة قد لا يُعتبر مشكلة بالنسبة للشخص الكبير.

وما تراه امرأة انه مشكلة ربما هو عند أخرى شيء لا يذكر لذلك تبقى المشكلة مسالة نسبية بين طرف واخر وهكذا، والملاحظ أن أغلب الناس يعجزون عن رؤية الجوانب الإيجابية للمشاكل وينزعجون عند وقوعها  بسبب التركيز دائما على الجوانب السلبية لها مثل تضييع الوقت بالانشغال بها أو انفاق المال بحثاً عن الحلول لدى أصحاب الخبرة والمعرفة، ولعل أعجب مفارقات الحياة أن المشاكل نفسها التي نشتكي منها  لها فوائد كثيرة، بل إن المشاكل هي  التي تعطي لحياتنا قيمة ومعنى والا لولاها لأصبحت حياتنا باهتة ومملة وباردة ولنتذكر ان المشاكل دائما هي البدايات للحلول وللتغيير، لذلك فالأصل أن نعمل على مواجهة المشاكل وحلها لأنها تصنع الخبرات التي لا تُقدر بثمن وغني عن القول إن حل المشاكل يحفز التفكير الإبداعي ويحسن القدرة على الابتكار ويطور كافة جوانب الحياة، والهروب من مواجهة المشاكل هو الذي يزيدها ويصعب العيش في الحياة، على هذا الأساس يُمكن القول إن انعدام المشاكل في حد ذاته قد يشكل أكبر مشكلة لأنه يعني ببساطة اختفاء التحديات التي تدفع العقل البشري إلى التفكير الخلاق لابتكار الحلول الذكية.

 ماهي أنواع المشاكل التي يمكنني الاستفادة منها في تطوير ذاتي؟!

هناك ثلاثة أنواع فقط من المشاكل اعتقد من وجهة نظري انها الأهم وهي التي تندرج تحتها اغلب المشكلات

المشكلة الشخصية وهي تلك المشاكل المتعلقة بشخصية الانسان وردود افعاله مثل ان يكون الشخص عصبي المزاج او متسرع او لا يتعاطف او مغرور او متكبر او بخيلا او عنده مشاكل صحية نفسية او مشاكل مالية.. الخ

مشكلة اجتماعية وهي التي تتعلق بالمشاكل مع الأشخاص المحيطين بنا مثل (مشاكل زوجية – مشاكل مع الأبناء- مشاكل مع الاسرة والأصدقاء والارحام) وغالبا أبرز هذه المشاكل في الجانب الاجتماعي هي بسبب غياب التواصل الفعال والاستماع النشط

مشاكل عالمية وهي المشاكل التي تتعلق بالمجتمع ككل وبالعالم مثل الحروب في البلدان المختلفة والمشاكل الاقتصادية التي تؤثر بشكل او باخر بحياتنا واحداث كورونا وحرب غزة وغير ذلك من المشكلات  

وفائدة الاهتمام بهذا النوع من المشاكل العالمية انه يساعد على رفع الوعي العام بما يحدث حولنا مما يمنحنا الفرصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسنا من تبعات هذه المشاكل العالمية بالقدر المستطاع بدلا من ان نكون إمعة نقول كم يقولون ونفعل كما يفعلون دون أن نشغل عقلنا انما فقط نتحول الى قطيع من الجهلة والحمقى الذين يسيرهم الاعلام وأصحاب المصالح كما يشاؤون مما ينعكس هذا الأسلوب سلبا على حياتنا وسعادتنا.

ومن هنا نلاحظ ان للمشاكل فوائد وسأذكر أبرز  خمس فوائد رئيسية لها في حياتنا

 أول هذه الفوائد هو «أنها تساعدك على التفكير وإعمال العقل المعطل». فوجود المشاكل في حياتنا يساعدنا على إيجاد طرق او حلول بديلة للحصول على الشيء الذي تريدنا او نرغب بالوصول له، بل ان تفكيرنا ينمو بشكل أفضل اثناء التعرض للتحديات.

اما الفائدة الثانية للمشاكل فهي انها تعمل على مساعدتنا في زيادة قوة الملاحظة واستغلال الإمكانيات المتاحة في عقولنا. وهذا يمنحنا فرصة للتعرف على البيئة المحيطة، والظروف والأشخاص الذين يقعون في دوائر علاقاتنا وهذا يجعلنا نبحث عن مسارات وبدائل وحلول جديدة مما يزيد من قوة ملاحظاتنا.

والفائدة الثالثة هي إن المشاكل تجعلنا أكثر تسامحا. فعندما تواجهنا مشكلة ما فإنها تجعلنا أكثر قوة ومعرفة بإمكانياتنا وقدراتنا وهذا يجعلنا أكثر تعاطفا وتسامحا مع الأخرين.

والفائدة الرابعة تجعلنا نكتشف أنفسنا، فا لمشاكل تمنحنا فرصة لاكتشاف أنفسنا وقدراتنا على مواجهة التحديات مهما كانت صعبة أو خطيرة.

 الفائدة الخامسة تعمل على توسيع مداركنا و رؤيتنا للأشياء بشكل أفضل.

 

نأتي الأن إلى أحد أهم المشاكل وما هي الفوائد العظيمة لها انها المشاكل الزوجية والأسرية

تعتبر المشاكل الزوجية والأسرية من المشاكل المعقدة في إيجاد الحلول لها وذلك بسبب طبيعة وتعقيد العلاقة وبسبب عوامل مثل ثقافة الزوجين وبيئاتهم المختلفة وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة وكذلك الأدوار التي يمارسونها في علاقتهم الزوجية، ولكن ما لا يؤخذ بالاعتبار ان خلف كل شر خير عظيم مخبأ لا يدركه إلا من كان صاحب رؤية مختلفة لجوانب الحياة المختلفة والذي لا يحصر ما يحدث في الحياة تحت مسميات محددة وضيقة، و بملاحظة ما يحدث أثناء الخلافات الزوجية فان

مناقشة المشاكل قد يولد شعورا” غير مريح. بسبب الخوف من الصدام او مواجهة الحقائق لكنه يفيد العلاقة على المدى البعيد.

لذلك فإن تجنب نقاش المشاكل التي يمر بها الزوجان عند حدوثها، يؤدي إلى انفجار مشاكل كبيرة لاحقا” بسبب وجود ملفات مفتوحة في العلاقة لم يتم العمل عليها وإيجاد الحلول المناسبة لها وهذا بسبب ان بعض الأزواج يتعامل مع المشاكل على اساس ان الزمن كفيل بحلها والحقيقة ان الزمن كفيل بالعمل على تراكم المشاكل فوق بعضها البعض.

وعدم مصارحة الزوجان عما يزعجهما سواء من علاقتهما او من بعضهما البعض وكبت ذلك يؤدي إلى تراجع الصحة النفسية والجسدية لكليهما وللعلاقة ايضا.

و الاختلاف هو الشيء الطبيعي في الحياة ولا يؤدي الى المشاكل إلا إذا تم معالجة هذا الاختلاف بشكل خاطئ دون مراعاة الطرفين وظروفهما، لذلك طريقة حل الخلاف بين الزوجين أهم من عدد الخلافات التي يمرون بها، لذا فان الخلافات المفيدة هي التي تساعد على فهم احتياجات الآخر ومخاوفه والتي تخلو من أوصاف الإهانة والإيذاء والتحقير.

لذلك يجب ان ندرك ان قلة الخلافات أو عدمها في الحياة الزوجية ربما تكون مؤشرا” على لامبالاة الزوجين ببعضهما،  والغياب التام للخلافات الزوجية  قد يكون مؤشرا” على قرب انتهاء العلاقة ووصولها إلى مرحلة البرود واللامبالاة والتبلد الشعوري لدى الزوجين، وفي الوقت نفسه فإن بقاء العلاقة الزوجية في حالة توتر دائم وخلافات حادة ومشكلات متواصلة هو مؤشر غير صحي أيضا”. لذلك يجب أن يتعلم الأزواج كيف يديرون خلافاتهم باستخدام مهارات حل المشكلات، لأن الخلافات الزوجية قد تكون فرصة لتقوية العلاقة بين الزوجين وتعميق ارتباطهما العاطفي والوجداني إذ استطاعا من تجاوزها بطريقة واعية وناضجة.

 إذا ماهي فوائد المشاكل الزوجية والأسرية؟

فرصة لكي يتعلم  كلا الزوجين وأفراد الأسرة كيف يتعاملون مع المشكلات في الأسرة ومع تحديات الحياة لاحقا.

تذكير للزوجين بوجوب تحسين شكل العلاقة و تطوير مهارات الذات وتجديد الحياة الزوجية والأسرية.

الوقاية مستقبلا من مشكلات قد يقع بها أحد الزوجين أو أحد أفراد الأسرة من خلال حل ومواجهة المشاكل الحالية.

في الحقيقة إن المشاكل الزوجية هي فرصة لإعادة صياغة الأهداف العائلية المشتركة، وهي أيضا” فرصة لتصحيح مسار بعض الأهداف في الأسرة.

تساعد على معرفة وتسليط الضوء على بعض السلوكيات السلبيات والإيجابيات لدى الزوجين ولدى أفراد الأسرة والعمل على تحسينها بعد انتهاء المشكلة.

فرصة لكي يتعلم الزوجان وأفراد الأسرة المصارحة بما يدور في أنفسهم، فا لمصارحة تساهم في سرعة علاج المشكلة و الحوار يساعد في فهم المشكلة واعطائها الحجم المناسب بخلاف الخوف من الحوار والتكتم من اجل عدم حدوث مشكلة.

بعض الأحيان افتعال المشاكل هو فرصة للتنفيس عن بعض هموم الحياة، والتقليل من المخاطر الصحية التي قد يتعرض لها أحد أفراد الأسرة مثل الجلطات والسكتة القلبية بسبب السكوت وكتم كل شيء في الداخل.

المشاكل فرصة لتدريب النفس على التكيف مع الآخرين وطباعهم وامزجتهم وأن ليس كل التوقعات والأماني نستطيع تحقيقها بالحياة.

ولذلك المشاكل فرصة لتدريب الزوجين على المرونة في التعامل تقلبات الحياة فمع الوقت يكون لدى كل منهما القدرة والمهارة على استيعاب المشكلة وسرعة علاجها.

إذا كيف استفيد من المشاكل في تطوير ذاتي؟

من خلال فهم المشكلة وتحديد أسبابها أستطيع أن أطور من مهارة الملاحظة والتفكير الناقد، ومن خلال تقبل المشكلة وعدم محاولة تجاهلها او إنكارها يتعلم الانسان  الشجاعة ومواجهة التحديات والثقة بالنفس وعند البحث عن الحلول والتفكير في الحلول الممكنة وتجربة كل حل والتعديل عليه حسب نوع وحجم المشكلة ينشط الدماغ للتفكير الإبداعي والناقد للحلول، واخذ الخطوة الأولى و التدرج في حل المشاكل يساعد على تطوير مهارات سلوكية مثل التخلق بالصبر والتأني والحكمة وكذلك طلب المساعدة وعدم التردد دليل على الشجاعة ومعرفة الإنسان للقدرات والمهارات التي يملكها وهذا يؤدي إلى تقوية نقاط الضعف والاستفادة من نقاط القوة .

لذلك دائما لكل مشكلة حل ولكل مشكلة وجهان أو وجهتان للنظر لها إما أن نعتبرها سلما نستخدمه في تطويرنا واما ان نتعامل معه انه سم قاتل لأحلامنا وطموحاتنا في الحياة ولا نقول إلا كما قال النبي صل الله عليه وسلم (لا يغلب عسر يسرين)  فالقرار قرارك ان خير فخير وان شر فشر.

وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق