التربية بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم

عندما يغرم رجل بامرأة يقرر الزواج بها وفعلاً يبدأ أول الخطوات نحو هذا الزواج وتكوين الأسرة فيبدأ بالخطوبة وفي هذه المرحلة مرحلة الخطوبة أو كتب الكتاب كما يحلو للبعض تسميتها يبدأ زوجا المستقبل بالحلم لشكل حياتهما فيبدأن يتخيلان كيف سوف تتم مراسم الزفاف بكل تفاصيلها وعدد الغرف التي سوف يؤثثانها لبيت الزوجية ونوعية الأثاث الذي سيشتريانه وسيفرشان به منزلهما ثم ينتقلان إلى عدد الأبناء اللذان سيرزقانهما ناهيك عن أسماء هؤلاء الأبناء الذين لم يروا الدنيا بعد وكيف سيربيانهما وأي نوع من المدارس سيلحقان أبناءهما بها وأي تخصص في الجامعة سيدرسانهما إلى أخر هذه الأحلام وعندما يهبطان إلى أرض الواقع ويصلان إلى صفحة إنجاب الأبناء وأسمائهم وكيفية تربيتهم يصطدمان بواقع غريب وقاسي جداً أنهما ليست لديهما خطة واضحة لكيفية تربية هؤلاء الأبناء أو الأساليب المتبعة أو حتى لماذا عليهما إتباع هذه الطريقة في التربية دون أخرى .

وتبدأ عملية الارتجال والتجربة في التربية فيبدآن بقراءة الكتب الأجنبية المتخصصة في مواضيع التربية (طبعاً لعدم وجود كتب عربية في هذا المجال ) وثم تبدأ مرحلة تطبيق هذه النظريات والأساليب على رأس الطفل الصغير المسكين المولود على الفطرة ونبدأ تختلط هذه الطريقة الغربية بالتربية مع أساليب الأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات مع أساليب الجيران والمجتمع والمدرسة والشارع والقائمة تطول فينتج لدينا طفل ذو تربية غربية وشرقية معاً ( يعني طفل مزدوج الهوية ) وهو لا يفهم سبب شعوره بالغربة النفسية التي يشعر بها بالرغم من أنه مولود في مجتمع مسلم لأبوين مسلمين .

الآن أين تكمن المشكلة الحقيقية في تربية هذا الصغير ؟

أعتقد أن المشكلة تكمن أن الوالدان لا يشعران بالفخر من الأساليب المتبعة في التربية في الإسلام وذلك إما لجهلهم بهذه الأساليب أساساً (وهذا الجهل طبيعي )،أو لجهلهم بوجوب إتباع هذه الأساليب ،أو بسبب شعورهم بالهزيمة النفسية أمام الأساليب الغربية الغازية للتربية .

عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية وأرسى دعائم الدولة الإسلامية قام بتربية المجتمع المسلم تربية مثالية أنتجت جيلاً قوياً معتزاً بنفسه وبعقله وبكل شيء فيه ، وقد اتبع الرسول في هذه التربية أساليب كثيرة وهي طبعاً الأساليب التي أتبعها في تربية الكبار والصغار ، لأن التربية لا تنتهي عند عمر معين ، فالتربية هي فن نقل الأفكار ،ولكننا هنا نتحدث عن تربية الصغار ويمكن استخدام هذه الأساليب في تربية الكبار كذلك وفي تربية أنفسنا أيضاً ومن الأساليب المتبعة في تربية الرسول صلى الله عليه وسلم :

التربية بالملاحظة :

وتعد هذه التربية أساساً جسده الرسول في ملاحظته لأفراد المجتمع ، تلك الملاحظة التي يعقبها التوجيه والإرشاد ، والمقصود بالملاحظة ملاحظة الولد وملازمته في تربيته العقدية ، والأخلاقية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والعلمية ، والجسدية ، ولنذكر مثال على ذلك (جلس الرسول يوماً وفي يده صحفه فيها طعام ومعه غلام فأخذت يد الغلام تطيش في الصحفة فأخذ الرسول بيد الغلام وقال له : ياغلام سم بالله وكل بيمينك وكل مما يليك )هذه الملاحظة التي أعقبها التوجيه والإرشاد هي التي أنتجت جيلاً قوياً .

التربية بالعادة :

قال صلى الله عليه وسلم (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليه لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع )

ومعنى مروا أولادكم بالصلاة لسبع أي كرروا عليهم أمر الصلاة حتى يعتادوا هذا الطلب وعندما يصبح أمر التكليف قد آن يسهل عليهم القيام به

وقال ابن مسعود رضي الله عنه ( عودوا أبناءكم الخير فإن الخير عادة )

وحتى لو كانت النفس تألف الخير وتنفر من الشر فإن العادة تساعد على القيام بهذا الخير بيسر وسهولة .

التربية بالإشارة :

وتستخدم هذه الطريقة عندما يخطئ الطفل أمام الناس أو في مكان عام فتصبح نظرة الغضب أو إشارة اليد الخفية أو التعريض بالكلام كافياً في تربية الطفل وفي توجيهه

كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه. وكان إذا بلغه عن أحد من المسلمين ما يكرهه لم يوجه له الكلام، بل كان يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا.

التربية بالترغيب والترهيب :

الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتقويم الاعوجاج

أولا : الترغيب

إن الأعمال التي يقوم بها الطفل لأول مرة تكون شاقة عليه ولا يفهم مغزاها وتحتاج إلى حافز يدفعه للقيام بها بسهولة ويسر كما أن الترغيب يعوده ويعلمه عادات وسلوكيات تستمر معه يصعب عليه تركها لذلك كان هذا الأمر مهماً جداً في تربية الطفل

وللترغيب نوعان مادي ومعنوي ولكل منهما درجاته وطرقه فابتسامة الرضا والتقبيل والضم والثناء وكافة الأعمال التي تبهج الطفل هي ترغيب في العمل ولكن ينبغي لنا أن نعرف أن الترغيب المعنوي مقدم على الترغيب المادي بشكل أساسي وذلك لأن الترغيب المادي يجعل المكافأة شرط للقيام بالعمل مثل أن يقوم الطفل بعمل واجبه المدرسي أو تناول طعامه لوحده أو خدمة والديه .

ثانياً : الترهيب

يكون الترهيب لتقويم السلوك المعوج وتعديل الأخطاء فقط وليس لتفريغ شحنة الغضب التي يحدثها سلوك الطفل في الأبوين وللترهيب درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب والعتاب وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحبس والحرمان المادي والمعنوي ثم الضرب

وقد يخطئ البعض عندما يبدأ بالضرب مباشرة لتعديل السلوك ولو بشكل سريع وهذا في الحقيقة قصور واضح في فهم حقيقة التربية وتعديل السلوك بالترهيب ، لأنه يجب أن يعرف الطفل السلوك الصحيح من السلوك الخاطئ أولاً ، ثم يمرن ويعود عليه ويصبر معه حتى يفهمه ويألفه جيداً ، ثم إذا أخطئ نبدأ بالتقطيب والعبوس .............الخ وتنتهي بالضرب إذا أصر على الخطأ ،

لذلك فإن عملية التربية هي عمليه مدى الحياة لا تنتهي ، وعندما نبدأ بها في سن مبكر للطفل تسهل الأمر عليه وعلينا في زرع القيم والمبادئ الأساسية للتعامل معه ، وتربيته بالطريقة التي أرادها الله تعالى .

وللترهيب ضوابط منها :

إذا حدث الخطأ أول مرة فلا يعاقب الطفل مباشرة بل يوجه ويعلم ويصحح خطأه

يجب إيقاع العقوبة بالطفل مباشرة بعد الخطأ حتى يفهم خطأه لأن الطفل ينسى بسرعة ما فعل

إذا كانت العقوبة هي الضرب فينبغي أن يسبقها الوعيد والتحذير وأن يكون الضرب لتعديل السلوك المعوج وليس لتفريغ شحنة الغضب

أن يتولى المربي الضرب بنفسه ولا ينيب أحداً أخر عنه في الضرب لأنه لؤم

أن يتجنب الوجه والبطن والصدر حال الضرب ويفرق مواضع الضرب فلا تكون في مكان واحد

إن ذكر الطفل ربه واستغاث به يجب إيقاف الضرب وذلك لتغرس في نفسه تعظيم الله سبحانه وتعالى

لا يخوف الطفل بدخول النار ولا يخوف بأن الله سيدخله النار لأن ذلك سيزرع عدم محبة الله في قلبه وكذلك لا يخوف بالطبيب أو الشرطي أو الظلام أو ما يحتاج إليه

لذلك ينبغي الاعتدال في الترهيب بالضرب أثناء تربية الطفل ويجب أن يفهم الأبوان أن هذه وسيلة من وسائل كثيرة يستخدمانها في تربية أبناءهما وليحذرا أن يجعلاها الوسيلة الوحيدة والفريدة في التربية لأنها ستفقد أثرها ونتائجها وستستخدم ضدهما من قبل أبناءهما .

هناك سؤال يتبادر إلى ذهن البعض منا يقول أن الطرق الغربية أو الوسائل الغربية في التربية الحديثة مفيدة ونافعة منها مثلا حبس الطفل أو ما يسمى (time out ) ، أو الحديث معه بهدوء وأدب مبالغ فيه ، حتى أن الناظر يشاهد كأن الطفل هو من يربي والديه وليس العكس وغير ذلك كثير؟

أقول إن هذه الطرق أو الأساليب فاشلة جداً عندنا ودائماً تعطي نتائج عكسية وذلك لأن الغرب أبتكرها وهي تناسب أفكاره ومفاهيمه وقيمه في الحياة ونظرته أيضا ونمط حياتهم المختلف عنا كلياً ،لذلك النتائج التي تعطيها هي نتائج سريعة ولكنها ليست دائمة وثابتة لأن أساليب التربية يجب أن تكون من جنس الأفكار التي نعتنقها نحن المسلمين والأهداف التي نرغب الوصول إليها من خلال تربيتنا لأبنائنا ، وفي هدي الرسول ما يغنينا عن استخدام الأساليب الغربية في تربية أبناءنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق